هند الضاوى خطيئتها لا تغتفر

ما طُرح على لسان الإعلامية هند الضاوى سواء بصورة مباشرة أو عبر إيحاءات—لا يمكن التعامل معه باعتباره رأيًا سياسيًا عابرًا، لأنه يتناول فئة كاملة من المواطنين على أساس ديني، دون تقديم أدلة موثقة أو معلومات رسمية. مثل هذا الطرح، يحمل تبعات اجتماعية خطيرة، لأنه يزرع الشك ويغذي الاحتقان، ويضعف الثقة المتبادلة بين أبناء الوطن الواحد.

التجربة المصرية القريبة تقدم لنا درسًا واضحًا. خلال أحداث 30 يونيو، وُجهت اتهامات مماثلة للأقباط بأنهم يقفون خلف الحراك الشعبي لإسقاط حكم جماعة الإخوان. لكن الواقع، الذي لا يقبل الجدل، أن ما جرى كان تعبيرًا عن إرادة شعبية جامعة، شارك فيها عشرات الملايين من المصريين بمختلف انتماءاتهم الدينية والاجتماعية. ولو أُخضع الادعاء حينها للمنطق البسيط والأرقام، لسقط من تلقاء نفسه، وهو ما حدث بالفعل.

اليوم، تتكرر لهجة الاتهام بصيغة مختلفة، عبر الحديث عن أرقام ضخمة أو شبكات تجنيد مزعومة. وهنا يبرز سؤال مشروع: إذا كانت هناك وقائع حقيقية، فأين الوثائق؟ وأين الجهات الرسمية المختصة؟ الدولة المصرية، بمؤسساتها وأجهزتها، هي الجهة الوحيدة المخولة بالتحقيق في مثل هذه القضايا الخطيرة. أما إطلاق الاتهامات في الفضاء الإعلامي دون سند، فهو لا يخدم الحقيقة ولا الأمن القومي.

من المهم التأكيد، وبوضوح كامل، أن الأقباط في مصر مواطنون كاملو الحقوق والواجبات، ولم يكونوا يومًا كيانًا منفصلًا عن الدولة أو المجتمع. شاركوا في بناء الوطن، وخاضوا معارك الدفاع عنه، وقدموا شهداء في كل الحروب التي خاضتها مصر. اختزال هذه المسيرة الطويلة في اتهام عابر أو تعميم ظالم يتناقض مع التاريخ والواقع معًا.

الانحياز هنا ليس طائفيًا، بل وطنيًا وأخلاقيًا؛ انحياز لمبدأ المواطنة المتساوية، ورفض لأي خطاب يربط الدين بالولاء السياسي أو الوطني. النقد السياسي يجب أن يظل موجَّهًا إلى الأفكار والمواقف، لا إلى الهويات الدينية، لأن الخلط بينهما يفتح أبوابًا يصعب إغلاقها.

في النهاية، تحتاج مصر في هذه المرحلة إلى خطاب إعلامي أكثر هدوءًا ومسؤولية، يُدرك حساسية الكلمات وأثرها، ويضع وحدة المجتمع فوق اعتبارات الإثارة أو “الترند”. الدفاع عن الأقباط في هذه القضية هو دفاع عن الدولة نفسها، وعن فكرة أن المصريين—مسلمين ومسيحيين—شركاء في وطن واحد، لا يُختبر ولاؤهم إلا بقدر ما يقدمونه له، لا بما يعتقدونه في قلوبهم. ‏

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى