جمال عبد الناصر يكتب: ملك الجمل وسيدة الشر في ذاكرة السينما المصرية

بدأت ملك الجمل كإحدى الوجوه التي تفرض حضورها من خلف الكواليس. لم تكن شرها صراخًا أو قسوة مباشرة، بل ظلًا يلتقط المشهد ويرسّخ عمقه. كانت ممثلة محترفة تعرف كيف تمزج القسوة بالإنسانية وتقدم الشر كمسألة نفسية قبل أن تكون سلوكًا ظاهرًا. تتقن التعامل مع الخيط الرفيع بين القناع والحقيقة وتترك الشر كحالة داخلية أكثر منها سلوكًا معلنًا.

وُلدت ملك الجمل في بورسعيد يوم 29 يناير 1929. درست اللغة الإنجليزية في كلية الآداب، ثم التحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وهو ما يعكس وعيها الثقافي ورغبتها في تكوين فني متين. سافرت إلى فرنسا مع يوسف وهبي لتطوير أدواتها الفنية وتبادل خبراتها، ثم عادت وانضمت إلى الفرقة المصرية الحديثة في عام 1954. استمرت رحلتها الفنية عميقة ومتواصلة في المسرح والسينما والتلفزيون.

البدايات والتكوين الفني

تميزت ملك الجمل بكونها ممثلة مشهد تغيّر نغمة الفيلم دون أن تسرق الضوء. ظهرت في أدوار الخادمة والأم والداية والجارة وسيدة من الهامش الاجتماعي، لكنها منحت كل شخصية كرامة إنسانية. ظهرت في أعمال بارزة مثل الطريق المسدود (1958)، سكة السلامة (1964)، الشموع السوداء (1962)، أم العروسة (1963)، فبدت كوجهين متعددين للمرأة المصرية. كما شاركت في أعمالٍ اجتماعية وسياسية مثل الأعماق البشرية (1970)، القاهرة والناس (1972)، شفيقة ومتولي (1978)، حيث عبّرت عن القهر والانتظار والخوف دون مبالغة.

في التلفزيون، ازداد حضورها رسوخًا خاصة في أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات. تَرْكز دورها على عودة الروح (1977)، الأقوياء (1980)، القناع الزائف (1980)، القضية 80، ومسافر بلا طريق (1981)، مع أنها غالبًا ما وُصفت بثانوية لكنها كانت عصبًا دراميًا يمنح العمل صدقه وملمسه الواقعي. توخّت في أداءها اقتصادًا في الحركة ودقة في النبرة وإحساسًا داخليًا لا يُقال بل يُشعر، فلا تسعى إلى لفت الانتباه بل إلى الإقناع. رحلت في 23 ديسمبر 1982 وتُرِك رصيدًا فنيًا هادئًا وعميقًا يعكس حضورها كفنانة ظل لا يُمحى.

الأدوار والأسلوب

تظل ذكرى ملك الجمل حاضرة كإثبات أن الفن يقوم على المواقف لا على الظهور. كانت رمزًا لممثلة صنعت مجدها من الظل وآمنت بأن الصمت أبلغ من الكلام. يظل اسمها واحدًا من الوجوه التي لا تتلاشى بتقدم الزمن، وتزداد صفاءً حين نعيد قراءة تاريخ التمثيل المصري.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى