صموئيل العشاي يكتب: الخط الرابع للدفاع عن الوطن… وعي الشعب

الدولة القوية لا تقوم فقط على مؤسساتها، بل على شعبٍ يدرك قيمتها ويحميها بوعيه قبل أي شيء آخر. صحيح أن لمصر ثلاثة أعمدة راسخة لا غنى عنها: الجيش، والشرطة، والقضاء، لكن التجربة أثبتت أن هناك خطًا رابعًا لا يقل أهمية ولا يقل قوة، هو وعي الشعب المصري؛ الوعي الذي يقف حارسًا لهذه الأعمدة، ويمنع كسرها أو الوقيعة بينها.

الجيش المصري هو درع الوطن وسيفه، مؤسسة وطنية لا تعرف إلا الانحياز لمصر، تحمي حدودها وتصون سيادتها، وقد دفعت عبر تاريخها الطويل أثمانًا باهظة من دماء أبنائها دفاعًا عن الأرض والشعب. لم يكن الجيش يومًا أداة صراع داخلي، بل كان دائمًا صمام الأمان حين تهتز المنطقة من حولنا.

والشرطة المصرية هي خط الأمان الداخلي، العين الساهرة التي تحمي الشارع والمواطن، تواجه الجريمة والإرهاب والفوضى، وتتحرك في إطار القانون والدستور. رجالها يقفون في الصفوف الأولى، يدفعون الثمن ليبقى المجتمع مستقرًا، وينفذون أحكام القضاء باعتبارها عنوان الدولة وهيبتها.

أما القضاء المصري، فهو ضمير الدولة وميزانها العادل، السلطة التي تقف فوق المصالح والضغوط، وتحمي الدستور، وتضمن أن لا يعلو أحد على القانون. هيبة القضاء ليست ترفًا، بل ضرورة لبقاء الدولة نفسها متماسكة، ولضمان حقوق المواطنين جميعًا دون تمييز.

في الأيام الماضية، حاولت قوى معروفة الاتجاه إعادة إنتاج نفس الأساليب القديمة، عبر نشر شائعات ووثائق مفبركة تزعم وجود امتيازات فوق القانون لأفراد وضباط القوات المسلحة في تعاملهم مع الشرطة والقضاء. لم تكن تلك الأكاذيب بريئة، بل استهدفت بشكل مباشر ضرب الثقة بين أعمدة الدولة الثلاث، وخلق إحساس زائف بوجود صدام داخلي بينها.

الهدف كان واضحًا: إشعال احتقان بين الجيش والشرطة، ثم دفع القضاء إلى مواجهة مع مؤسسات إنفاذ القانون، بما يوحي بأن العدالة معطلة وأن الدولة تناقض نفسها. هكذا تُصنع الفوضى من الداخل، دون حاجة إلى سلاح أو مواجهة مباشرة. لكن ما لم يحسبه هؤلاء، أن مصر اليوم ليست مصر الأمس.

هنا يظهر الخط الرابع للدفاع عن الوطن: وعي الشعب. هذا الوعي الذي لم يعد ينخدع بورقة مزورة أو منشور مفبرك، ولم يعد ينساق خلف دعوات الفتنة. المواطن الذي تعلّم من التجربة، وقرأ التاريخ القريب، صار قادرًا على التمييز بين النقد الحقيقي والمؤامرة، وبين الخلاف الطبيعي ومحاولات الهدم المتعمدة.

وعي الشعب هو الذي أسقط الأكاذيب سريعًا، وهو الذي فهم اللعبة قبل أن تكتمل فصولها، وهو الذي أدرك أن الوقيعة بين الجيش والشرطة والقضاء ليست سوى مقدمة لضرب الدولة نفسها. لذلك فشلت الحملة، وتحوّلت الضجة إلى دليل جديد على إفلاس من يراهنون على الفوضى.

الحقيقة التي يجب أن تبقى راسخة أن لا أحد فوق القانون، وأن كل مؤسسة في هذه الدولة تعرف دورها وتحترم حدودها. لكن الأهم من ذلك أن الشعب أصبح شريكًا واعيًا في حماية هذا التوازن، لا متفرجًا عليه. وعيه اليوم هو السياج الذي يحمي مؤسساته، ويمنع العبث بها.

قد يملك البعض منصات وضخًا إعلاميًا، لكن مصر تملك شعبًا أدرك أن الحفاظ على الدولة هو حفاظ على مستقبله وأولاده. لذلك لن تنكسر الأعمدة، ولن ينجح أحد في هدم البيت على من فيه، لأن خلف الجيش والشرطة والقضاء يقف شعب واعٍ…
وذلك هو خط الدفاع الرابع، والأقوى.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى