رفعت فياض يكتب: مدينة الأقصر الجديدة بالجيزة

طرح الدكتور حازم عطية الله، رئيس لجنة قطاع السياحة والفنادق بالمجلس الأعلى للجامعات، اقتراحًا بالغ الأهمية خلال المؤتمر العلمي الأول للجنة القطاع، الذي عُقد تحت عنوان «صناعة السياحة والتعليم في مصر»، بحضور نخبة من الخبراء وممثلي وزارات التعليم العالي والسياحة والثقافة والآثار والطيران المدني، إلى جانب عمداء كليات ومعاهد السياحة في مصر.
وبملء الفم أؤكد أن هذا الاقتراح، إذا نُفّذ بالصورة التي عرضها الدكتور حازم عطية الله، يمكنه أن يغيّر وجه السياحة في مصر تغييرًا جذريًا، وأن يخلق رافدًا سياحيًا عالميًا جديدًا في منطقة آثار الجيزة، لتتحول هذه المنطقة إلى قبلة لسائحي العالم، وبمثابة «مدينة أقصر سياحية عالمية ثانية»، بل ومتحف عالمي مفتوح يضاهي أكبر المقاصد السياحية الثقافية في العالم.
تنبع أهمية هذا التصور من الموقع الفريد لمنطقة آثار الجيزة، التي أصبحت اليوم أكثر جاهزية من أي وقت مضى، خاصة مع وجود مطار سفنكس الدولي على بعد مئات الأمتار فقط، وهو مطار مؤهل لاستقبال جميع طرازات الطائرات من مختلف دول العالم. هذا القرب الجغرافي يتيح للسائحين، لا سيما المهتمين بالسياحة الثقافية، الوصول المباشر والسريع إلى المنطقة، والتنقل بين معالمها بسهولة، حتى في رحلات قصيرة وعطلات نهاية الأسبوع، بما يحقق لمصر عائدًا ضخمًا من العملة الصعبة قد يتجاوز مليارات الدولارات سنويًا.
وفي إطار هذا الطرح، ناشد الدكتور حازم عطية الله هيئة تنشيط السياحة تبني هذا الحلم والعمل على تحقيقه، خاصة بعد النجاح العالمي الكبير الذي حققته مصر بإنشاء المتحف المصري الكبير، ذلك الصرح الحضاري العملاق القائم على بعد خطوات من أهرامات الجيزة. فقد بهر المتحف العالم منذ افتتاحه، وأصبح يستقبل عشرات الآلاف من الزائرين يوميًا، بوصفه أكبر متحف في العالم مخصص لعرض حضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة، ويضم لأول مرة كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون كاملة، فضلًا عن كونه مركزًا ثقافيًا وتعليميًا وترفيهيًا متكاملًا، لا مجرد متحف لعرض القطع الأثرية.
ولا يمكن الحديث عن هذه المنطقة دون التوقف أمام أهرامات الجيزة، أحد مواقع التراث العالمي المسجلة لدى منظمة اليونسكو، والتي تضم هرم الملك خوفو، العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع للعالم القديم، إلى جانب هرمي خفرع ومنقرع، فضلًا عن تنوع المنتجات السياحية بها، ومنها السياحة الترفيهية والعلاجية.
وتحتضن المنطقة أيضًا عددًا كبيرًا من مقابر الدولة القديمة، ويتصدرها تمثال أبو الهول، أحد أشهر وأهم المعالم الأثرية في مصر والعالم، بما يحمله من غموض وروعة فنية. يقع التمثال شمال غرب هرم خوفو، وقد نُحت بدقة مذهلة على هيئة أسد رابض برأس فرعون يرتدي غطاء الرأس الملكي وأفعى الكوبرا، ويبلغ طوله نحو 73.5 مترًا وارتفاعه 20 مترًا.
ولا يقتصر الثراء الأثري على الجيزة وحدها، بل يمتد ليشمل مناطق أبو صير ومعابد الشمس، ومنطقة دهشور، ومنطقة آثار سقارة التي تزخر بكنوز فريدة لا مثيل لها. فقد شهدت سقارة خلال السنوات الأخيرة اكتشافات أثرية مدوية تصدرت عناوين الصحف ووكالات الأنباء العالمية، من بينها الكشف عن مئات التوابيت الآدمية الملونة التي تضم مومياوات بحالة حفظ جيدة لكبار رجال الدولة والكهنة من الأسرة السادسة والعشرين، وهو الكشف الذي اختير ضمن أفضل عشرة اكتشافات أثرية في العالم لعام 2020.
كما شملت الاكتشافات مقبرتين من عصر الأسرة الخامسة للكاهن المطهر «واحتي» والمشرف على القصر الملكي «خوي»، ومقابر للقطط، إضافة إلى أقدم ورشة للتحنيط تعود إلى عصر الأسرة السادسة والعشرين. هذا إلى جانب الانتهاء من ترميم هرم زوسر المدرج، أقدم بناء حجري ضخم في العالم، والمقبرة الجنوبية للملك زوسر، وهما من المواقع المدرجة على قائمة التراث العالمي.
وفي دهشور يبرز الهرم المائل، أحد ثلاثة أهرامات شيدها الملك سنفرو، وسُمّي بهذا الاسم نتيجة تغيير زاوية بنائه أثناء التشييد، وهي التجربة التي قادت لاحقًا إلى بناء الهرم الأحمر، أول هرم كامل الزوايا في التاريخ. كما تمثل القرية الفرعونية القديمة أحد أكثر المواقع جذبًا للسياح، إذ تقدم صورة حية للحياة في مصر القديمة من خلال أشخاص حقيقيين يرتدون الزي الفرعوني ويجسدون أنماط العمل والمعيشة في ذلك العصر.
لكل ما سبق، أكرر المناشدة بضرورة دراسة اقتراح الدكتور حازم عطية الله بجدية كاملة، وأن تعمل هيئة تنشيط السياحة على تحويل منطقة آثار الجيزة، بما تضمه من كنوز أثرية وإنسانية فريدة، إلى متحف عالمي مفتوح لا يقل أهمية عن مدينة الأقصر، لتكون لدينا «أقصر أخرى» ولكن هذه المرة في قلب منطقة آثار الجيزة.