صموئيل العشاي يكتب: إزالة صورة القس أمير ثروت… ماذا نفهم؟

في خضم حالة الغضب العارمة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، تصدّرت الإعلامية هند الضاوي المشهد بعد تصريحات وُصفت بالخطيرة، حين لوّحت باتهامات عامة طالت المسيحيين، وذهبت إلى حد الإيحاء بوجود تجنيد لعدد كبير منهم لخدمة أهداف إسرائيلية. وهي اتهامات لم تُقابل بالرفض من المسيحيين وحدهم، بل أثارت غضب قطاع واسع من المسلمين أيضًا، لما تحمله من مساس مباشر بالنسيج الوطني ووحدة المجتمع المصري.
وبالعودة إلى تاريخ ظهور هند الضاوي على القناة، يتضح أن الأمر لا يقتصر على زلة لسان أو اجتهاد إعلامي عابر. فقد سبق أن ظهرت في مقطع مصور تطعن فيه في صحة الكتاب المقدس، مدعية أن سفر أشعياء كُتب في القرن الخامس عشر لأغراض سياسية، وهو طرح يفتقر إلى الدقة العلمية والتاريخية، ويكشف عن جهل عقائدي صارخ أو تعمد لإثارة الجدل الديني. أمام هذا السياق المتراكم، بدا من الطبيعي أن تُقدَّم مذكرات وشكاوى إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ليس بدافع الخصومة الدينية، بل انطلاقًا من الحرص على الأمن القومي والسلم المجتمعي، خاصة في ظل مناخ إقليمي ودولي شديد الحساسية.
وسط تصاعد الأزمة، فوجئ الرأي العام باتصال هند الضاوي بأحد القساوسة الشباب، وتصوير حلقة معه بدعوى تهدئة الأجواء واحتواء الغضب. وقبل إذاعة الحلقة بساعات قليلة، نشرت صورة تجمعها بالقس أمير ثروت، لتبدأ بعدها موجة جديدة من التساؤلات المشروعة: لماذا اختير هذا التوقيت تحديدًا؟ ولماذا هذا الشخص بعينه؟ وهل كان الهدف الحقيقي هو الحوار، أم البحث عن “واجهة دينية” تُستخدم كغطاء لتخفيف حدة الهجوم الشعبي وتبرئة ساحتها من اتهامات جسيمة، في مقدمتها محاولة الإضرار بالأمن القومي وضرب التماسك الاجتماعي؟
وتزايدت علامات الاستفهام: هل تحرك القس بصفته الشخصية أم بعد الرجوع إلى رئاسة الطائفة والمرجعية الكنسية؟ أم أن الأمر كله جاء بقرار فردي غير محسوب العواقب؟ ثم ما لبثت الحلقة أن أُذيعت، لتُفاجئ هند الضاوي الجميع بإزالة صورتها مع القس أمير ثروت من صفحتها الشخصية، في خطوة بدت غامضة ومربكة أكثر مما هي مهدِّئة.
هنا يفرض السؤال نفسه بقوة: ماذا تعني إزالة الصورة؟ هل كانت مجرد أداة مؤقتة لامتصاص الغضب الشعبي ثم انتهى دورها؟ وهل كان الهدف الحقيقي احتواء الغضب المتصاعد، لا سيما من المسلمين الذين رأوا في تصريحاتها تحريضًا خطيرًا لا يخدم سوى الفتن والانقسامات؟ أم أن هناك ما هو أبعد من ذلك، حملة ممنهجة تُدار بذكاء إعلامي خبيث، تُلقي بحجارة في المياه الراكدة ثم تتراجع خطوة إلى الخلف بعد تحقيق الغرض؟
الأخطر من كل ما سبق هو هذا الإحساس العام بأن هناك ما يُحاك في الخفاء، وأن ما ظهر إلى العلن ليس سوى جزء من صورة أكبر. فهل تحمل الأيام القادمة مفاجآت جديدة، أو تصريحات أكثر حدّة، تُطرح تدريجيًا لقياس رد الفعل ثم البناء عليه؟ أم أن ما جرى كان اختبارًا لمدى قدرة الشارع المصري على الرفض والمواجهة؟
في كل الأحوال، تبقى الحقيقة الأهم أن اللعب على أوتار الدين، والتشكيك في العقائد، وإطلاق اتهامات جماعية، ليس إعلامًا ولا حرية رأي، بل مقامرة خطيرة بوحدة الوطن، يدفع ثمنها الجميع دون استثناء.