ما سبب التصريح الإيجابي لرئيس الوزراء وسداد مصر لديونها؟

في مؤتمرٍ صحفي أمس، أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن مصر تستعد لتخفيض مديونيتها إلى نسب غير مسبوقة لم تشهدها منذ خمسين عامًا، بما يعني أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستعود إلى مستويات مشابهة لتلك التي كانت عليها في سبعينيات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1975.
ويعكس هذا الإعلان ما تحقق من نجاحات اقتصادية ملموسة، على أن يتم الإعلان عن التفاصيل الكاملة خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويُطرح السؤال الآن: هل عثرت الحكومة على «منجم ذهب» جديد يسهم في هذا الخفض الكبير للديون؟ أم أنها عملت بصمت خلال العامين الماضيين على ملفات الاستثمار والصناعة، ونجحت في تحقيق طفرات اقتصادية وجذب استثمارات بمليارات الدولارات؟

بالطبع، لا توجد معلومات يقينية عن اكتشاف «منجم ذهب» جديد، لكن المؤشرات والدلائل تؤكد أن الإنجازات الصناعية والاستثمارية تمثل السبب الرئيسي. وفيما يلي بعض النماذج البارزة، اعتمادًا على مصادر موثوقة:

أولًا: جذب استثمارات صينية ضخمة
نقلت ثلاث شركات صينية جزءًا من مصانعها إلى مصر باستثمارات تُقدَّر بنحو 1.15 مليار دولار. وشهد الدكتور مصطفى مدبولي توقيع عقود إنشاء ثلاثة مشروعات صناعية كبرى بمنطقة السخنة الصناعية، شملت مجموعة «شين فينج مينج» لألياف البوليستر، و«تشاويانج لانجما» للإطارات، و«تونج لينج جييا للتكنولوجيا الحيوية» لإنتاج حفاضات الأطفال.

كما بدأت مصر خطوات جادة لتوطين صناعة طلمبات الوقود والسولار والغاز الطبيعي بالتعاون مع شركة «هوفر» الأمريكية، من خلال إنشاء مصنع داخل شركة السويس للبترول باستثمارات أولية قدرها 100 مليون جنيه، يستهدف تغطية 90% من احتياجات السوق المحلية، ثم التوجه للتصدير خلال خمس سنوات.

وفي سفاجا، انتقلت مصر رسميًا إلى نادي الدول المنتجة والمصدّرة للوحدات البحرية، حيث افتتح الفريق أسامة ربيع أعمال تصنيع أول قاطرتين من طراز «عزم»، إلى جانب تدشين أول سفينتين لصيد أعالي البحار، بما يؤكد أن قناة السويس لم تعد مجرد ممر ملاحي عالمي، بل أصبحت قلعة صناعية بحرية حديثة.

وشهد وزير قطاع الأعمال العام تسليم الدفعة الأولى من ميني باص «نصر ستار» من إنتاج شركة «النصر للسيارات»، بالتعاون مع «جنرال موتورز مصر»، وبنسبة مكون محلي تجاوزت 70%. وتأتي هذه الخطوة بعد عام واحد من إعادة تشغيل الشركة عقب توقف دام أكثر من 15 عامًا، مع تطوير مصنع الأتوبيسات لإنتاج طراز «نصر سكاي».

كما افتتحت شركتا «تويوتا تسوشو» و«NYK» محطة قناة السويس للسيارات، كأول محطة لوجستية متخصصة للسيارات الجاهزة في مصر، بالشراكة مع شركة «Africa Global Logistics» (AGL) التي تمتلك 50% من المشروع. وتقع المحطة في شرق بورسعيد على مساحة 21.2 هكتار، وتستوعب 2550 سيارة، مع خطط للتوسع إلى 10 آلاف سيارة، وتُدار من قبل شركة SCAT لمدة 30 عامًا بموجب عقد مع الهيئة الاقتصادية لقناة السويس.

ودخلت مصر عصر وقود الطيران الأخضر عبر إطلاق مشروعات صناعية تعتمد على إعادة تدوير زيت الطعام المستخدم، بإجمالي استثمارات يبلغ 1.03 مليار دولار من خلال مشروعين: الأول أجنبي في السخنة بطاقة إنتاجية 200 ألف طن سنويًا، والثاني وطني في الإسكندرية بطاقة 120 ألف طن. ويصل إجمالي العائد المتوقع إلى نحو 2.4 مليار دولار، معظمها مخصص للتصدير، من بينها عقد ملزم مع شركة «شل» بقيمة 15 مليار دولار لمدة عشر سنوات.

وقرر تحالف استثماري يضم وزارة النقل والقطاع الخاص وشركات أجنبية ضخ استثمارات تتجاوز 200 مليون دولار (نحو 10 مليارات جنيه) لإنشاء ترسانة جديدة لبناء وإصلاح السفن بالقرب من ميناء دمياط، تضم أحواضًا عملاقة وورشًا متخصصة وفق المعايير الدولية. ومن المقرر أن تدخل المرحلة الأولى حيز الإنتاج بعد عام ونصف، على أن تكتمل باقي المراحل خلال 36–40 شهرًا، مستهدفة حجم نشاط يصل إلى 500 مليون دولار خلال خمس سنوات.

كما تم توقيع عقد إنشاء مجمع للبتروكيماويات بين هيئة قناة السويس وشركة «أنكوراج» بنظام الشراكة، حيث تستهدف المرحلة الأولى إنتاج البولي بروبيلين (PP) من خام البروبان، باستثمارات تتجاوز ملياري دولار، على أن تشمل المرحلة الثانية توسعات إضافية بإجمالي استثمارات يصل إلى 4.5 مليار دولار. ويُتوقع أن يحول المشروع مصر من دولة مستوردة لنحو 70% من احتياجاتها إلى دولة مصدّرة.

وأعلنت شركة «جريفولز إيجيبت» لمشتقات البلازما حصولها على اعتماد الوكالة الأوروبية للأدوية (EMA)، لتصبح مصر سادس دولة في العالم تمتلك هذه التكنولوجيا، وأول مركز إقليمي في الشرق الأوسط وأفريقيا لتوطين صناعة مشتقات البلازما، من التجميع حتى التصنيع النهائي.

كما أطلقت مصر مؤخرًا القمر الصناعي النانوي المصري «SPNEX»، المختص بقياس نسب البلازما في الغلاف الجوي، بما يسهم في تحسين الاتصالات والملاحة الجوية، والتنبؤ بالاضطرابات الفضائية، إلى جانب استخداماته الاستراتيجية.

إضافة إلى ذلك، انتقلت مصانع منسوجات وأقمشة من تركيا إلى مصر، مع خطط لاستثمارات تتراوح بين 70 و80 مليون دولار في مصانع جديدة. وتضم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أكثر من 200 مشروع صناعي صيني باستثمارات تتجاوز 11.6 مليار دولار، إلى جانب استثمارات روسية وبولندية، ما يعزز مكانة مصر كمركز صناعي عالمي.

وفي الختام، قد لا نعلم على وجه الدقة ما الذي سيعلنه رئيس الوزراء خلال الأيام المقبلة، لكن المؤكد أن هذه الإنجازات تؤكد أن الاستراتيجية الحكومية القائمة على الاستثمار والصناعة تمثل حجر الزاوية في خفض الديون وتعزيز الاقتصاد الوطني.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى