صموئيل العشاي يكتب: كيف نفهم طرد القوات الامارتية من اليمن .. خمس سيناريوهات

في ظل التعقيدات المتشابكة للمشهد اليمني، لم يعد أي تطور عسكري أو قرار سياسي معزولًا عن سياق أوسع من الصراعات الإقليمية وتضارب الأجندات داخل معسكر الشرعية نفسه. القرار المفاجئ لرئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني بإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع دولة الإمارات، وما تبعه من تحرك عسكري لتحالف دعم الشرعية في ميناء المكلا، كشف عن أزمة عميقة تتجاوز حادثة سفن أو شحنة أسلحة، لتلامس جوهر العلاقة بين الحلفاء، وحدود النفوذ، ومعنى السيادة في دولة أنهكتها الحرب.
ومن هذا المنطلق، يمكن قراءة هذا الصدام عبر عدة سيناريوهات محتملة، تحاول تفكيك أسبابه ودوافعه الحقيقية، واستشراف ما يحمله من رسائل سياسية وأمنية، داخل اليمن وخارجه.
السيناريو الأول: صدام السيادة
قد يكون جوهر الصدام نابعًا من شعور القيادة اليمنية بأن هناك تجاوزًا مباشرًا للسيادة الوطنية، عبر إدخال سفن محمّلة بالسلاح من ميناء الفجيرة إلى ميناء المكلا دون تنسيق رسمي مع الحكومة الشرعية أو قيادة التحالف.
هذا الفعل، إن صحّ، يضعف سلطة مجلس القيادة الرئاسي، ويُظهره كطرف عاجز عن التحكم في الموانئ والقرار العسكري، ما دفع العليمي لاتخاذ قرار حاد لإعادة ترسيم خطوط السيادة وفرض هيبة الدولة.
السيناريو الثاني: الخلاف حول المجلس الانتقالي الجنوبي
يمثل المجلس الانتقالي الجنوبي نقطة التوتر الأكثر حساسية. فالدعم العسكري غير المنسّق له في حضرموت والمهرة يُنظر إليه من قبل رئاسة المجلس الرئاسي كخطوة تهدف إلى تغيير موازين القوى داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وليس فقط مواجهة الحوثي. هذا السيناريو يفترض أن الصدام سببه تضارب المشاريع السياسية: مشروع الدولة اليمنية الواحدة مقابل مشروع الأمر الواقع الجنوبي المدعوم إماراتيًا.
السيناريو الثالث: كسر قواعد التحالف ومرجعيته
من منظور هذا السيناريو، فإن ما جرى يُعد خرقًا لقواعد العمل داخل تحالف دعم الشرعية، الذي تقوده السعودية ويقوم على مبدأ التنسيق المسبق والقرار الجماعي. تعطيل أنظمة التتبع للسفن، وإنزال أسلحة دون تصريح، يمثل سلوكًا منفردًا يهدد وحدة التحالف، ويضع القيادة اليمنية في موقف حرج دوليًا، خاصة أمام قرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 2216.
السيناريو الرابع: صراع النفوذ في الشرق اليمني
حضرموت والمهرة تمثلان ثقلًا جغرافيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية. هذا السيناريو يفترض أن الصدام هو نتيجة تنافس نفوذ مباشر في الشرق اليمني، حيث تسعى أطراف إقليمية لترسيخ حضور طويل الأمد، بينما تحاول رئاسة المجلس الرئاسي – بدعم سعودي – منع أي تغيير في الخارطة الأمنية قد يقود إلى تفكيك الدولة أو فرض كيانات موازية.
السيناريو الخامس: رسالة سياسية داخلية وخارجية
قد يكون قرار العليمي تصعيديًا لكنه محسوب، يهدف إلى توجيه رسالة مزدوجة: داخليًا، لإثبات أن مجلس القيادة الرئاسي ليس واجهة شكلية وأنه قادر على اتخاذ قرارات سيادية حاسمة؛ وخارجيًا، لإعادة ضبط العلاقة مع الحلفاء على أساس الشراكة لا الوصاية، والتأكيد أن أي دعم عسكري يجب أن يمر عبر الدولة اليمنية ومؤسساتها الشرعية.
وأخيراً
الصدام لا يبدو حدثًا عابرًا أو تقنيًا، بل نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية تتعلق بالسيادة، وتوازن القوى، ومستقبل اليمن كوحدة جغرافية ودولة مركزية. وما لم تُعالج جذور الخلاف عبر تفاهمات واضحة داخل التحالف، فإن مثل هذه الصدامات مرشحة للتكرار بصور أكثر حدة