فوزي عبد المسيح يكتب: حوار مع طفل المذود

كنتُ في رحلةٍ من رحلاتي، في ليلةٍ من آخر ليالي شهر كيهك، حين وجدتُ نفسي في مدينةٍ تُدعى بيت لحم. هناك، وفي هدوء الليل الممزوج بالدهشة، أبصرتُ مزود بقر بسيطًا، لكنه كان جميلًا على نحوٍ يفوق الوصف. داخل المزود شيخٌ عجوز، وامرأة تُدعى سالومة، وعذراء ملامحها مضيئة، يلفّها جمال نقي، وبجوارها طفلٌ مولود، جميل كأنه نورٌ متجسّد.
وفجأة رأيتُ جموعًا من الملائكة، ينشدون أنشودة سماوية تهزّ القلب قبل السمع:
«المجدُ لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة».
فسألتُ في رهبة: من هؤلاء؟
فأجابني الشيخ العجوز بصوتٍ مفعم بالوقار:
«اسمي يوسف النجار، خادم سرّ التجسد. نجارًا بسيطًا، لكن العناية الإلهية اختارتني لأكون شاهدًا على هذا الحدث العظيم».
قلتُ له: حدّثني عن سرّ هذا الميلاد.
فقال: «كان في يومٍ من الأيام عذراء اسمها مريم، تربّت في الهيكل. وبعد أن أتمّت السن المحدد، اختارتني الشريعة لأخدمها وأعولها في بيتي. وبعد فترة، وجدتها حبلى، فخفتُ واضطربتُ، وأردتُ أن أتركها سرًا. لكن ملاك الرب ظهر لي وقال: لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي في بطنها هو عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا».
ثم رجعت وسالت سالومة كيف رايت فقالت رايت عذراء تلد وهي بكر وبتول قبل الوالده وبعد الوالدة شاهدت انا سالومة بهذا
ثم مضيتُ إليها، فرأيتُ وجهًا منيرًا، فيه حنان الأمومة وسلام يبدّد الأحزان. في ملامحها بساطةٌ تُريح القلب، وفي عينيها طهارة كعيون الحمام. حين تنظر إليها، تنسى أوجاع الحياة، كأنك تنتقل إلى عالمٍ آخر.
اقتربتُ منها وقلتُ: من أنتِ؟
فقالت بهدوءٍ عميق: «اسمي مريم، من سبط يهوذا. والداي لم يكن لهما بنون، فطلبا من الله نسلًا، فنذراني للرب. دخلتُ الهيكل وأنا في الثالثة من عمري، وبعد سنّ البلوغ أُخرجتُ بحسب الشريعة. وفي يومٍ ظهر لي ملاك وقال: السلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة، الرب معكِ. وأخبرني أن المولود مني يُدعى قدوسًا. قلتُ له: كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلًا؟ فقال: الروح القدس يحلّ عليكِ، وقوة العلي تظلّلك. فقلتُ: ليكن لي كقولك».
وأضافت: «وهكذا وُلد المسيّا المنتظر، الكلمة الإله المتجسّد».
أخذني الشوق والحيرة، وسألتها في خشوع: كيف حملتِ الإله في بطنك؟ أكنتِ أنتِ التي تحملينه، أم هو الذي كان يحملك؟ كيف كان شعورك وأنتِ تحملين من تسجد له الشاروبيم والسيرافيم، ملك الملوك، الذي لم تسعه السماء ولا الأرض؟
لكنها لم تُجبني.
فتوجّهتُ إلى الطفل، إلى الرب يسوع، الإله المتجسّد،
(ونوره يفوق الطبيعه ولم استطع النظر اليه من شدة بهاء مجده ) وقلتُ: يا إلهي، حدّثني عن هذا الحب، وعن رسالتك.
فقال لي: «رسالتي هي الخلاص و السلام، والمحبة، والفداء. أتيت لأغيّر مفهوم الوصايا القديمة: نفس بنفس، وسن بسن، والعين بالعين. جئتُ لأفتح وصية جديدة، قوامها التسامح والحب. أتيتُ لتكون لكم حياة أفضل».
قلتُ له: ولماذا لم ترسل ملاكًا أو رئيس ملائكة ليخلّص البشر؟
فقال: «الملائكة أرواح. والإنسان هو الذي أخطأ، فكان لابد أن أتجسّد من العذراء، لأحمل خطيئة البشرية».
قلتُ: ولماذا وُلدتَ في هذا المزود؟
فقال: «لأعلّم البشرية الاتضاع والفقر والاختيار، ولأكون الذبيحة المقدّمة عن العالم».
وسألته عن السلام، فقال:
«سلامي يفوق العقل. أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم».
فقلتُ: هذه شريعة الكمال والحب.
فقال: «هذا هو هدفي: أن يعرفني الجميع، ويعرفوا معنى السلام، بين الإنسان وأخيه، وبين الإنسان ونفسه».
عندها صرختُ من أعماقي: كيف يعرف العالم السلام إن لم يعرفك، يا ملك السلام؟
أرسل سلامك إلى العالم كله، فالعالم محتاج إلى سلامك، والإنسان محتاج أن يصالح نفسه قبل كل شيء.
نطلب منك السلام، يا ملك السلام، بميلادك العجيب.
كل عام، والعالم في سلام، وخير، ومحبة، وفرح.