كوكب الشرق: بنت نكتة وأستاذة في القلش تفهمها وهي طايرة

تنتمي أم كلثوم إلى قرية طماي الزهايرة وتحافظ على روح الفلاحة المصرية الأصيلة، ولا تفارقها وهي تقود الغناء على عروش العالم. لم يرها الناس يومًا سيدة أرستقراطية رغم مكانتها التي توازي مكانة الملوك والرؤساء، بل ظلت نموذجاً لـ«بنت البلد» تجمع بين البساطة والهيبة وقربها من الجمهور. كما جسدت حضورها ونبرات صوتها قدرة فنية تقود وجدانات الناس وتبقيهم في حالة تواصل مستمر.

خفة الظل وسرعة البديهة

عرفت أم كلثوم طوال حياتها بخفة الظل وسرعة البديهة والذكاء في الرد، وكانت ردودها حاضرة في التوقيت المناسب وتؤثر في الجمهور. من أبرز طرائفها مع أصدقائها ما حدث مع الشاعر أحمد رامي حين كان يدلل ابنه توحيدًا باسم ‘توحة’، فسألتها وهي تبتسم: ‘توحة رامى’، فأجابت: ‘يا سلام.. تو.. حرامى’، وكان المقصود بها اللُّعب على لفظة Two بالإنجليزية. وكانت هذه المواقف تعكس ذكاءً اجتماعياً حاضراً دون تصنّع.

دبشة وصدى القرين

كان المعلم دبشة من أصدقاء أم كلثوم وحاضرًا باستمرار في حفلاتها. أثناء استراحة إحدى الحفلات ازدحم الجمهور حولها وتحدثها في أمر خاص، فذكرت وباء الكوليرا حينها قائلاً: ‘أحب أعرفكم بالأستاذ ده.. عمدة القرين’، فسمع الحضور الاسم وتراجعوا وانصرفوا على الفور. أظهر الموقف فطنة اجتماعية وحرصًا على سلامة الجمهور وتوجيههم بشكل دقيق.

دخول الصحفي البهنساوى المتأخر

نشرت مجلة الكواكب في عدد نادر صدر في 15 يناير 1957 موضوعاً بعنوان ‘اضحك مع ثومة’ روت فيه واقعة دخول الصحفي صالح البهنساوي متأخرًا إلى حفلها في سينما ريفولي. أثناء الغناء استغلت أم كلثوم مقطعاً ليخاطب الصحفي بنظرة مباشرة، وتلاعبت بإحدى العبارات حتى قال الحاضرون: ‘حا يقصر أكتر من كده’. يعكس الموقف سرعة بديهة كوكب الشرق وقدرتها على تحويل الموقف إلى رسالة حاضرة للجمهور.

تصوير عايدة والموقف من المصباح

وعندما تأخر العمل في تصوير فيلم ‘عايدة’ ليلاً بسبب انتظار البيبى، سخرت أم كلثوم من الموقف وذكرت: ‘بلاش وقوف، ده البيبى فيها تسعة أشهر’. ثم وقف المصور يحرك المصباح من جانب إلى آخر لتنسيق الإضاءة على وجهها، فطلبت منه: ‘وليه العناء هذا؟ احضر المصباح إلى حجري’. وأظهرت هذه اللحظة روح الدعابة وتقديرها للفنيين وسياستها في إدارة الحضور.

إدراكها رسائل الملحنين

ووجدت أن مقدمات ألحان بليغ حمدي مثل ‘بعيد عنك’ و’الحب كلّه’ و’سيرة الحب’ و’أنساك’ كانت في بعض الأحيان رسائل حب موجهة إلى وردة. قالت وهي تضحك: ‘أنت تجعلني كوبريًا يصل رسائلك إلى حبيبتك’ في إشارة إلى هذا اللعب والتورية. وبَيّنت أن هذا الفهم يعكس تواصلاً فنياً بين الملحن والفنان وجمهوره، ويبرز قدرته على قراءة العواطف والتعبير عنها بدقة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى