السيد الحراني يفكك خطاب ياسر البرهامي

مولع الداعية السلفي «ياسر برهامي» بالظهور والفتوى وتصدر مؤشرات البحث والترند على وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد أن توارى لسنوات منذ أفول نجم الإخوان وسقوط التنظيم في 30 يونيو 2013، حيث كان «برهامي» قبل ذلك وبعده بقليل، واحدًا من أهم قيادات التيار السلفي الذي داهن التنظيم أحيانًا، ونفض عنه عباءته أحيانًا أخرى، خاصة عندما أيقن في أيامه الأخيرة أنهم ينزلقون إلى الهاوية.
وربما لذلك – ولأسباب أخرى – تخلى «برهامي» بأريحية عن مشروع الوحدة الإسلامية لمجابهة ما سموه آنذاك بالتيار «المدني/العلماني» المعارض لمشروع النهضة الوهمي الذي أعلنه الرئيس المعزول الراحل «محمد مرسي». وربما يكون موقف «برهامي» وتياره السلفي آنذاك بسبب انفراد الإخوان بالسلطة، ونقدهم للاتفاقات، وإخراجهم كل ما هو سلفي من البرلمان وتشكيل الحكومة الأخيرة.
وبالعودة إلى تصريحات «ياسر برهامي» الأخيرة حول غزة وأهلها، وما يتعرضون له من حرب إبادة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وإمكانية نصرتهم من قِبَل المسلمين وتحديدًا المصريين شعبًا وجيشًا، فإن ما أفتى به كان جزء من مضمونه:
«حماس {لم يذكرها بالاسم}، وقال إن الفلسطينيين لم يُشاوروا في أمر حرب 7 أكتوبر، ولذلك يتحمّلون نتائج ما فعلوا وحدهم، ولو تدخلنا يكون ذلك نقدًا لمعاهدة كامب ديفيد».
إلى هنا، يبدو حديث برهامي على أرض الواقع يحمل شيئًا من المنطق السياسي، وليس الديني الذي طالما فرض على نفسه أن يتحدث به فقط، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، ويبدو أن حديثه هذا متوافق – إلى حد ما – مع إرادة القيادة السياسية المصرية بعدم خوض حرب عسكرية، رغم كل الاستفزازات الإسرائيلية، طالما أن المعركة الدبلوماسية تؤدي دورها وتعمل على تدويل جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
لكن «برهامي» لم يتوارَ عن دس السم في العسل، وأظهر – ولو جزءًا بسيطًا – مما يبطن، حول استدعاء المؤثر الديني الذي يدفع إلى قتال العدو (“وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”)، ويحث على أن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي جائزة، حتى لو كانت القوى غير متكافئة، مشيرًا إلى تخاذل عربي تجاه ما يحدث في غزة، وأن منطق القوة وحده ليس كافيًا، لأن المنطق الإسلامي وعد بنصرة القليل على كثرة الباطل.
وأشار الداعية السلفي «ياسر برهامي» في تحريض خطير وواضح، وربما «خبث شديد»، إلى أن «الحدود اللبنانية» و«السورية» مع المحتل الإسرائيلي هي ساحات حرب وقتال واشتباك، حيث لا تخضع لمعاهدات واتفاقيات ومواثيق، في إشارة منه إلى أن من أراد قتال العدو فليذهب إلى هناك. غير أن المشهد العسكري الذي رسمه «برهامي» يعيدنا بالذاكرة إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حين كانت دعوة الشباب للهجرة إلى أفغانستان وباكستان لقتال الاتحاد السوفيتي.
وضع «برهامي» من شاهده واستمع إليه في حيرة شديدة! وفي رأيي، فإنه «تعمد» ذلك، وجزء من هذه الحيرة المقصودة يكمن في طرح وإجابة مجموعة أسئلة غاية في الخطورة، أهمها:
- هل حديث «ياسر برهامي» متوافق مع إرادة القيادة السياسية المصرية في تعاملها مع ملف غزة؟ أم يسعى لتوريطها وإحراجها؟
- هل «برهامي» مع أهل غزة أم ضدهم؟
- هل «برهامي» يناصر تنظيم حماس أم يحرّض عليهم؟
- هل «برهامي» يعمل على تشويه البرنامج الدبلوماسي المصري ويسعى لتوريطها في حرب لا ملامح للدخول إليها أو طريق واضح للخروج منها؟!
خاصة بعد أن ذكر «برهامي» على هامش حديث «الإفك» الذي أعلنه دون أي داعٍ، ما يُظهر أن الداعية السلفي لم يكن مختبئًا في مسجده طوال الأعوام الماضية، لا يتعامل إلا مع تلامذته ومريديه الذين يلتمسون البركة على بابه. وما أقصده هنا ما قاله عن قوات «أحمد الشرع/الجولاني» في سوريا، وبدايات تحركها للاشتباك مع قوات الجيش السوري فور إشارة معلوماتية من الأجهزة الأمنية التركية بأن الوقت مناسب للتحرك!
والغريب أن تلك المعلومة، عندما جاءت على لسان «ياسر برهامي»، كانت لتبرير إمكانية التحرك ومواجهة العدو ونصرته، حيث وضع «الميليشيات» المدعومة بالمعلومات التركية في موقف «الحق»، بينما وضع «الجيش السوري النظامي» في موقف «الباطل»، ليُظهر، من وجهة نظري، ما بداخل كل من ينتمون لتيار الإسلام السياسي من بغض وكره للجيوش النظامية، وسعيهم إلى تفكيكها والقضاء عليها.
وفي رأيي أيضًا، لم يقصد «برهامي» بالجيش النظامي هنا جيش الاحتلال الإسرائيلي، لأنه معلوم للجميع بأنه ليس إلا ميليشيات أسستها الحركة الصهيونية عام 1948، لكنه قصد جيوشًا نظامية أخرى!!!
حديث «ياسر برهامي» الآن ليس مجرد صدفة أو إجابة عابرة على استفسار أحد مريديه في جلسة علم أو درس عابر، بل هو رأي متعمد، أراد أن يقوله ويظهر به، ربما لعودة الروح إليه ولتياره السلفي، أو توافقًا مع مصالح خارجية، في إشارة إلى بدء مرحلة جديدة لإعادة توسيع نشاط التيار السلفي، الذي كان يتم بالفعل تجهيز أحد قياداته، وهو «د. عماد عبد الغفور» مساعد الرئيس المعزول الراحل «محمد مرسي» لشؤون التواصل المجتمعي، للحكم من قِبل السفارة الأمريكية في القاهرة ليكون بديلًا لحكم مرسي في حال سقوطه.
وقد سبق أن ذكرت تفاصيل هذه الواقعة في كتابي «ثورة 30 يونيو والاستجابة للقدر – سوسيولوجيا الصفقة والتوريث والفساد والفوضى والإخوان والإرهاب والثورة والأمريكان» الصادر في يناير 2025 عن دار كنوز للنشر والتوزيع، في الفصل الثامن عشر بعنوان: «تفاصيل خطة زرع رئيس سلفي بديل لمرسي».
ضمن ما جاء فيه، أن الرئيس المعزول محمد مرسي لم يكن سوى مندوب لتنظيم الإخوان الإرهابي داخل قصر الاتحادية، وذلك بشهادة واقعية أدلى بها الكاتب الصحفي الإخواني محمد عبد القدوس، نجل الروائي الراحل إحسان عبد القدوس، حيث أكد أن الرئيس مرسي كان يتلقى تعليمات مكتب الإرشاد يوميًا من خلال مندوب على دراجة نارية. ولذلك، وأكثر، انتصرت ثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 على إرادة تنظيم الإخوان وكل المتحالفين معه داخليًا وخارجيًا، وعلى رأسهم إدارة الرئيس باراك أوباما، التي كانت الداعم الأكبر لوصول الإسلاميين إلى السلطة ليس في مصر فقط، بل في بلدان أخرى.
كانت الإدارة الأمريكية تُعد بديلًا لمرسي من داخل قصر الاتحادية، وهو د. عماد عبد الغفور، في إطار انحياز أوباما للعب بورقة الإسلاميين. ففي الوقت الذي كان فيه مرسي يترنح بفعل فشله وسوء إدارته، كان الأمريكيون يجهّزون البديل المحتمل، وبدأت عملية «تهذيب» صاحب اللحية، وتسليمه لأستاذ في البروتوكول بالجامعة الأمريكية.
ورغم السرية، تسلل الخبر نحوي عبر أستاذ مصري يعمل هناك، أكد لي أنه تلقى المعلومة من المدرب نفسه، وقال إن الأمريكيين كانوا في عجلة من أمرهم، وإن اللحية تم تهذيبها لتصبح خفيفة ومودرن، والبدلات أصبحت أنيقة، والكرافتات لم يعد السلفيون ينفرون منها. وأكد أن التدريب شمل أيضًا أسلوب الحديث والتعاملات الرئاسية وإتيكيت تناول الطعام.
منذ تلك اللحظة، بدأت أتابع بشغف ما يردني من معلومات حول «عملية تغيير جلد سلفي ليُصبح رئيسًا مودرن»، وتملؤني المخاوف، وأحاذر من البوح بها، وأواصل المعركة ضد مرسي، مستفيدًا من هذه المعلومات بإضافة شعارات جديدة ضد التأسلم، وضد التيارات السلفية، وضد أمريكا.
ختامًا: لا تتعاملوا مع ما قاله الداعية السلفي «ياسر برهامي» مؤخرًا على أنه مجرد حديث عابر… بل هو، وربما، بداية لعودة تيار يجب أن يظل متواريًا، بكل ما يحمله من أفكار ثبت، عبر الأعوام، أنها لا تُنبت لنا إلا زرع «حنظل» لا يمكن أن نستسيغه.