الدواء المُرّ… وإعادة اللاجئين إلى ديارهم طواعية

بقلم – صموئيل العشاي:
في خضم عاصفة من الغضب الشعبي، وبينما تشتد الضغوط الاقتصادية على كل بيت مصري، لا يمكن إنكار حجم المعاناة التي خلفها قرار الحكومة الأخير برفع أسعار المحروقات. القرار الذي أثقل كاهل المواطن البسيط، وضرب ميزانيات الأسر في مقتل، وأثار موجة من السخط والتساؤلات: إلى متى سندفع الثمن؟ وهل هناك أفق قريب للانفراجة؟
بكل صدق، نحن نتجرع الدواء المُرّ، ونعترف بأن هذه السياسات التقشفية لم تأتِ من فراغ، بل فُرضت على بلادنا في سياق عالمي شديد الاضطراب. اقتصاديات تنهار، أسواق تتقلب، عملات تنهار أمام الدولار، وأزمات تتوالى كأمواج البحر الهائج، لا تترك شاطئاً آمناً لأي دولة مهما بلغت قوتها.
لكن الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها:
الحكومة ليست بريئة تماماً. هناك أخطاء اقتصادية تم ارتكابها عبر سنوات، بعضها ناتج عن سوء التخطيط، وبعضها الآخر نتيجة مجاملات سياسية واجتماعية، وأحياناً بسبب ضعف الرؤية في إدارة الموارد. ولا يمكن لأي مخلص أن يعفي الحكومة من المسؤولية، حتى وإن تفهم السياق العام.
لكن… هل نملك رفاهية الرفض؟
إننا في لحظة فارقة، تتطلب منا الصبر والوعي، وتحمل مرارة العلاج الذي تأخرنا كثيراً في تناوله. وصفات صندوق النقد الدولي ليست سهلة، وجرعاتها موجعة، لكنها – في ظل انسداد البدائل – قد تكون الطريق الوحيد لعبور الأزمة.
ومن هنا، تأتي ضرورة إعادة النظر في ملف اللاجئين داخل مصر.
فبحسب التقديرات الرسمية، تستضيف مصر قرابة ٢٣ مليون لاجئ ومهاجر غير شرعي، يأكلون ويشربون، ويستهلكون مرافق الدولة، ويضغطون على خدمات التعليم والصحة والخبز والطاقة، بكلفة تتجاوز ٤٠٠ مليار جنيه سنوياً!
هل نملك هذا الترف في هذه اللحظة؟
إن الإنسانية لا تعني أن نتحمل ما لا نطيق، أو أن نترك شعبنا يجوع في سبيل الحفاظ على صورة خارجية جميلة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم كل ما يُقال عنه، اتخذ خطوة جريئة حين قرر ترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين، تحت شعار: “أمريكا أولاً”. فلماذا لا نرفع نحن شعار: “المصري أولاً”؟!
نحن لا ندعو إلى الترحيل القسري، بل إلى إعادة طوعية منظمة، تحفظ كرامة الإنسان، وتحمي أمن الدولة ومقدراتها. يمكن التنسيق مع الأمم المتحدة والدول المانحة لتوفير مساعدات مباشرة تُقدم لهؤلاء في أوطانهم، بدلاً من أن تُنفق في شوارعنا وأحيائنا الفقيرة.
الدواء المُرّ لا يكفي إن كنا نواصل النزيف في ملفات غير محسوبة.
مصر اليوم تحتاج إلى قرارات شجاعة، وإعادة ترتيب لأولوياتها، فالجوعى لا ينتظرون المؤتمرات الصحفية، والعاطلون لا تكفيهم الوعود الفضفاضة. نحن في سباق مع الزمن، إما أن نواجه الحقيقة بكل وجعها… أو نستمر في دوامة الإنكار حتى السقوط.
فلنكن واقعيين…
فلنحمل الألم بشرف، ونُعلنها بوضوح: المرحلة المقبلة لا تحتمل المجاملات ولا الأقنعة.
المواطن المصري أولاً… مصر أولاً… وهذا هو الدواء المُرّ.